فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدين العظيم، ورسخت وثبتت هذه القاعدة؛ حتى أصبح الناس جميعاً يعلمون أن الفضل والقدر إنما هو بالتقوى، ولم يعد هناك شيء يميز أحداً عن أحد إلا بذلك، والميزات الأخرى مما اختار الله عز وجل أو اصطفى، أو فضل بعضهم على بعض؛ فإنها تأتي تبعاً لها، فالإنسان وإن كان سباقاً في الشجاعة، أو في الإنفاق فكل ذلك تبع لذلك الأصل العظيم وهو: التقوى.
فكانت غاية المجتمع هي التقوى، وكان هم كل إنسان منهم أن يجتهد في التقوى، فرسخت عند الناس هذه الحقيقة، وأصبح المجتمع تقياً، وإذا صار المجتمع تقياً، وكانت قاعدة التعامل هي التقوى، وإذا كانت قاعدة التواصل والتواد والتحاب والتراحم هي التقوى؛ فإن الخير سيأتي والبركات ستعم، (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ))[الأعراف:96]، فجاءت الخيرات، وجاء النعيم، وجاء العز، وجاء الشرف، فأصبح أدنى رجل من هذه الأمة المتقية يُرهب أكبر أعداء الله، ويعادل في عالم الأرض كلها أفضل وأشرف ملوك الروم أو الفرس، وهذه حقيقة عظيمة قررها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم ).